الرواية الرسائلية عند المرأة العربية في القرن الحادي والعشرين من التقليد إلى التجديد لمسابقة المشيقح
مقدمة:
كان للمرأة العربية حضورها الفاعل في الرواية العربية, وكان هذا الحضور أكثر توهجاً مع مطلع القرن الحادي والعشرين, حيث أخذت المرأة العربية تخط لنفسها مسلكاً روائياً مغايراً؛ إذ لم تكتفِ بأن تكون أنموذجاً فحسب, أو رقماً عابراً ضمن مراحل نشوء الرواية, وتطورها, ونضوجها, ولكنها في الحقيقة أصبحت فاعلة ومؤثرة في تطوير شكل الرواية, وتجديدها, بل أخذت تجدّد في الفضاء الروائي عموماً, ولم تقتصر على الحضور والإسهام, وإنما بلغت بالرواية في عصرنا هذا ذروة السنام.
وتنهض الرواية الرسائلية عند المرأة العربية دليلاً واضحاً على ما قدمته الأقلام النسائية من ألقٍ وتألق, وقد تنوع استعمال المرأة لهذا النوع من الروايات بأن كان متصاعداً, بدءاً بالتأثر الورقي, ثم التأثر (التكنولوجي), وصولاً إلى عالم الرقمية (الإلكتروني), ومن هنا كان الأنموذج الرسائلي النسائي متنوعاً, ومتطوراً, وشاهداً على الارتقاء, والتقدم, والصعود بالرواية العربية إلى حيث النماذج العالمية, ولو لم يكن لها من تأثير سوى ترسيخ لون روائي فرعي مهم, وهو (الرواية الرسائلية) لكان ذلك كافياً.
مفهوم الرواية الرسائلية:
في (معجم السرديات) يطلق أستاذنا التونسي الدكتور محمد القاضي وآخرون على الرواية الرسائلية (الرواية الترسلية), ويعرفونها بأنها: “ضرب من الروايات انتشر في أوربا في القرن الثامن عشر, عماد النص فيه رسائل تخييلية, إن بصفة كلية, أو بصفة جزئية, تضطلع بوظيفة السرد, والحوار, أو تؤدي على الأقل دورا هامّا في سياق أحداث الحكاية”([1]), وقد نعتها الناقد المغربي الدكتور سعيد علوش ب (الرواية التراسلية)([2]), كما أطلق عليها بعضهم (المراسلات القصصية)[3].
والذي نرتضيه هو أن نسمها بالرواية الرسائلية؛ ذلك أنها أصدق في الوفاء بأغراض المراسلة, والكشف عن علاقاتها, وأشكالها, وألوانها؛ ولهذا نستطيع تعريفها بأنها: جنس روائي فرعي متأثر بالتفاعل الأجناسي, يضاف إلى أجناس الرواية الفرعية الأخرى, كالرواية التاريخية, والرواية السيرية, والرواية الخبرية, والرواية المقامية, والرواية الرحلية, ونحو ذلك.
وقد كان للمرأة العربية حضور واضح في ميدان الرواية, فكانت الرواية النسائية في هذا الباب متألقة, وزاخرة بالعديد من النماذج الروائية, غير أن سهم المرأة العربية في حقل الرواية الرسائلية كان حافلاً بالعطاء, والتميز, والتوهج, فلم تكن نماذج حضورها مجرد أرقام تضاف إلى قائمة الرواية والروائيين, لكنها في حقيقة الأمر كانت مؤصلةً ومؤسَّسةً لجنسٍ روائي فرعي عربي جديد, ما زال يعاني من بعد النقاد, ونأي الباحثين رغم كثافة نماذجه الثَّرة.
الرواية الرسائلية عند المرأة العربية في شكلها التقليدي:
لأكون أكثر تطبيقاً، وأبعد عن التنظير فإنني هنا سأشير إلى نماذج من الرواية الرسائلية التي تميزت بها المرأة العربية في شكلها التقليدي, وأعني بالشكل التقليدي ذلك الذي يوظّف الرسالة بطابعها القديم, سواء بشكلها التراثي الأكثر قِدماً, أو بشكلها القديم في عصرنا هذا, وذلك أن الرواية النسائية العربية تميّزت في هذا الباب أيما تميز, فمن ذلك مثلاً ما رأيناه في رواية (بريد بيروت) لحنان الشيخ, عام 1992م, ورواية (الغاوي) لبهيجة أدلبي, عام2003م, ثم رواية (بنات الرياض) لرجاء الصانع, عام 2005م, ثم رواية (أنثى العنكبوت) لقماشة العليان, عام 2007م, ثم رواية (على صدري) لمنهل السراج, عام 2007م, ثم رواية (ستر) لرجاء عالم, 2007م, ثم رواية (طروس إلى مولاي السلطان) لسارة الجروان 2008م, ورواية (عندما يفكر الرجل) لخولة القزويني, عام 2009م, ورواية (طوق الحمام) لرجاء عالم, عام 2010م, ورواية (لحظات لا غير) لفاتحة مرشيد, عام 2010م, ورواية (الأسود يليق بك) لأحلام مستغانمي, عام2011م, ورواية (أنثى الرغبة) لبدرية البليطيح, عام 2012م, ورواية (رسالة من كندا) لرينيه الحايك, عام2012م, ورواية (الباب الطارف) لعبير العلي, عام 2012م, ورواية (بريد الليل) لهدى بركات, عام 2018م, وغيرها.
ونلحظ في هذه النماذج الروائية تنوع بيئة المرأة العربية بين المرأة السعودية, والمصرية, والسورية, واللبنانية, والإماراتية, والأردنية, والفلسطينية, والجزائرية, وغيرهن.
الرواية الرسائلية عند المرأة العربية في شكلها (التكنولوجي) الحديث:
ونعني بالبعد التكنولوجي هنا أن المرأة العربية وظّفت حضور التقنية والوسائل الحديثة في صنع رواية رسائلية, ولعلي أسوق شاهداً من الرواية السعودية من خلال نموذج (بنات الرياض) بوصفها رائدة في خطها الإلكتروني, حيث أقامت الكاتبة روايتها على سنن إلكتروني صافٍ, فأفادت من الرسائل البريدية الإلكترونية في بناء رواية بشكل عام, ورواية رسائلية بوجه خاص, ومما جاء فيها قولها مثلاً: “رسائل كثيرة وصلتني تسألني عن هويتي الحقيقية, وهل أكون إحدى الفتيات الأربع اللواتي أكتب عنهن في هذه الإيميلات؟ (…) من بين الانتقادات الكثيرة التي صارت تصلني يومياً عبر بريدي الإلكتروني, كان انتقاد فئة كبيرة من القراء لي…”([4]).
فالرواية تقوم على الاهتمام بالشأن البريدي الإلكتروني, وذلك من خلال الرسائل التي تخرج من طرف واحد, ويستقبلها متلقون كثير, سواء أكانوا داخليين ضمن نسيج الرواية, أم من خارج الرواية, وهم المتلقون بشكل عام الذين يقرؤون الرواية, وعلى كل حال نخرج بأن هذه الرواية هي من أوائل الروايات الرسائلية (الإلكترونية) على مستوى الوطن العربي, وعلى مستوى الروايات السعودية.
الرواية الرسائلية عند المرأة العربية في شكلها الرقمي المعاصر:
قد نلحظ في بعض الروايات لدى المرأة العربية اهتماماً بالجانب الإلكتروني في شكله الرقمي المتنوع, والمتفاعل, بعيداً عن البريد, وقنوات التواصل الاجتماعي, فمن ذلك مثلاً ما أطلقنا عليه (الرواية الرسائلية الذكية) كما ما فعلت بدرية البليطيح في روايتها (مشاعر آيفونية), حيث قامت بتوظيف الجهاز الذكي (الآيفون), واستخدمت في روايتها بعض الرموز المستوحاة من الثقافة الرقمية, كما في قولها مثلا: “@ لايشبهني أحد @ اسم أو (نك نيم) بالخط العريض الملون, وتحته رسالة, أو (توبيك) لا يقبل النقاش أو المراوغة: لطفاً أحتاج للخلوة بنفسي, و (اللبيب بالإشارة يفهم)..”([5]).
ومثل ذلك قولها مثلاً: “هزّت الشاشة بعنف, رجاء لا تقللي من قدراتي وفطنتي أيتها المغرورة (…) ردّت بحروف متقطعة, هل تصدقين؟ (…) تنتظر بقية الحوار, ولكن هيهات فقد فقدت الاتصال ب (الإنترنت)..”([6]).
لقد حاولنا في هذه الدراسة المتواضعة الحديث عن حضور المرأة العربية في الرواية, وإسهامها في تجذير الرواية الرسائلية العربية عموماً, والرواية الرسائلية النسائية بشكل خاص, وإبراز موقعها ضمن الرواية العربية, ومدى الإضافة الكبيرة التي قدمتها, والخدمة الجليلة التي بذلتها المرأة للرواية العربية في تقويتها وتطويرها, وقد تعرّفنا على بعض النماذج المهمة التي ولدت من رحم المرأة العربية, وهذا الأمر دفعنا إلى رصد بعض النماذج الأهم, سواء على المستوى التقليدي, أو الإلكتروني المعاصر, أو الإلكتروني الجديد.
([1]) معجم السرديات, محمد القاضي وآخرون, ط/1, دار محمد علي للنشر, تونس, 2010م, ص213.
([2]) ينظر: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة, سعيد علوش, ط/1, دار الكتاب اللبناني بيروت – لبنان, 1405ه/1985م, ص103.
[4])) بنات الرياض, رجاء عبد الله الصانع, ط/7, دار الساقي, بيروت – لبنان2007م, ص22, 44, 72.
[5])) مشاعر آيفونية, بدرية البليطيح, ط/1, دار المفردات للنشر والتوزيع, الرياض – المملكة العربية السعودية1434ه/2012م, ص7.