الأديب/ أمدو علي إبراهيم

النسخة الخامسة القصيدة العربية

الأديب/ أمدو علي إبراهيم

المركز الثالث في فرع القصيدة العربية من دولة النيجر

سيرة للإنسان في غرقه

يُساوِرُهُ في خاطــر الماءِ زَورَقُ

ويغتاله شـــــــوقٌ نديٌّ فيَغرَقُ

وتجري به الأقدارُ فُلكًا وكلّما

رَستْ كادت الأيّامُ بالموج تَشرَقُ

غريقٌ تخطّى الموتَ سَهْوًا وشاقه

التُّرابُ لأنّ الدّربَ بالوَردِ يَعبقُ

رأى حُلمَه في الماء يَظْما، وشُعلةً

تضيء، وإنسانا مِن الطِّين يُعتَقُ

وأبصرَ في كَشْفِ البداياتِ ظلَّهُ

وفي عتمةِ الأشياء ما كان يُخْلَقُ

قديمٌ متى هَــــمّ المُؤرِّخُ باسمه

تجلّت “بــلادُ الرّافدين” و”جِلَّقُ”

تمـــــــــرُّ هَيُولَى الكائنات بليلهِ

رُؤًى لم يُؤوِّلها السـُّــؤالُ المُؤرِّقُ

وينأى به مَغزى الوُجودِ وكلّما

تَمَنطَقَ نادى: يا “أرسطو” سَنَصدُقُ

شدا فانتشت فيه السّجايا كما انتشى

بقطر النَّدى الوسميِّ زهرٌ مُفتَّقٌ

وحين بكى أبكى السّماواتِ كلّها

وكادت به الأرضُ الفسيحةُ تُخنَقُ

شجيّا يُغنّي الحُبَّ في جَبرُوتِه

ويُرديه مِن بَعد التّلاقي التَّفرُّقُ

له في التباسِ الأُفقِ سِتّون وِجهةً

وفي كهنوت النّجم ما كان يُبرِقُ

تقول له شمسٌ تُصلّي: سيحتفي

بك الوطنُ الموعودُ حين تُشرِّقُ

ورغم امتدادِ البين ثمةَ عائدٌ

إليكَ، وبابٌ في انتظاركَ يُطرَقُ

وثمة ومضٌ يستحيل جداولا

لأغنيةٍ فــي بالك الآن تُهرَقُ

يقول له فتحٌ يُقبّل سيفَه:

سلاما على الأرض التي فيكَ تُشرِقُ

تجلّيتَ مِن دمعين: ذا الماء والثَّرى

إذًا أنتَ مَن في البحر والأرض يَشهَقُ!

وأنتَ نشيدُ الكون فاسكرْ بلحنه

وحلّقْ بعيدا فالمدى فيه مُطلَقُ

تقول له حـــربٌ تواسي زمانَها:

تجلّدْ فخلف الموت يُشرِف بَيرقُ

تجلّدْ فما زالت أكاسرةُ الرّدى

تسير، وأبوابُ المَدائن تُغلَقُ

ونافِحْ بزَندِ الرُّوحِ فالدّربُ معتمٌ

ودونكَ شمسٌ لا تحين ومَشرِقُ

يقول له شوقُ الطّريق: إلى متى

يُغنّيكَ في الدّنيا الوُصولُ المُشوِّقُ؟

ويسأله المَلّاحُ: كم تمخرُ المَدى؟

فعُمركَ إبحارٌ وحُلمكَ أزرَقُ

وكم تستجير الماءَ؟ حتى أكونه

فما زال فيهِ ما رأى القلبُ يَعمُقَ

آمَدو علي إبراهيم