أَمْشِي عَلَى المَاءِ لَا ظِلٌّ وَلا أَثَرُ
أَبقَى هُنَاكَ وَيَبقَى فِي دَمِي السَّفَرُ
مَا غَرَّبُونِي وَلكِنْ شَتَّتُوا وَجَعِي
بَينَ البِلَادِ، فَلا يَفنَى، وَأَنْدَثِرُ
أَمشِي عَلى الرَّمْلِ وَالصَّحرَاءُ تَعْرِفُنِي
(أنَا الذِي نَظَرَ الأَعمى) فَهَلْ نَظَرُوا!
مُذْ فَتَّحَ العُمْرُ جُرْحَ التِّيْهِ يَا أَبَتي
وَالقَادِمَاتُ صُرُوفُ الدَّهْرِ وَالعِبَرُ
وَالسَّابِقَاتُ مَوَاثِيْقٌ تُؤَرِّقُنَا
وَالبَاقِيَاتُ مَفَاتِيحٌ سَتَنْتَصِرُ
وَالصَّالِحَاتُ عُهُودٌ شَارَفَتْ زَمَنًا
عَلى الهَلاكِ، وَلَكِنْ صَانَهَا القَدَرُ
وَالصَّابِرَاتُ كَأُمٍّ أَوصَتِ ابْنَتَهَا:
بُشَارَةُ النَّصرِ في الأَرحَامِ تَزدَهِرُ
عَلِّمْ تُرَابَكَ أَنْ يرَتَاحَ يَا وَطَنًا
إَنْ كَانَ أَخْطَأَ كُلُّ الأَرضِ تَعتَذِرُ
عَلِّمْ رِيَاحَكَ أَنْ تَعتَادَ صَيحَتَنَا
أَنْ تَجمَعَ الصَّوتَ كَي يَستَيقِظَ البَشَرُ
عَلِّمْ سَحَابَكَ أَنْ لَا مَاءَ يَحْمِلُهُ
فُمِنْ مَنَازِلِ قَومِي يَهْطِلُ المَطَرُ
عّلِّمْ، وَكَمْ عَلَّمَ الأَجْدَادُ أُغْنِيَةً
للسَّائِرِينَ عَلَى دَرْبٍ فَمَا عَثَرُوا
لِلحَامِلِينَ عَلَى الأَعْمَارِ رَايَتَهُمْ
لا يَعْجَزُونَ، وَقَدْ تَسَّاقَطُ الصُّوَرُ
وَالحَالِمِينَ بِفَجْرٍ مُؤْمِنِينَ بِهِ
وَالسَّاهِرِينَ لَهُ، وَالشَّاهِدُ القَمَرُ
أَمشِي عَلى الغَيْمِ هَذا الشِّعْرُ يَحْمِلُنِي
آبَى السُّقُوطَ إِذا مَا خَانَني الحَذَرُ
آبَى التَّرَاجُعَ عَنْ أَوجَاعِ ذَاكِرَتي
مَهمَا بَدَا لِيَ فِي اسْتِرْجَاعِهَا الخَطَرُ
أَمشِي إلى الخَلْفِ مَشيَ اليَومِ فِي غَدِهِ
وَللأَمَامِ حُضُورٌ خَلفَنَا نَضِرُ
وُللزَّمَانِ كُؤُوسٌ سَوفَ نَشْرَبُهَا
فَذَا مَعِينٌ، وَذَاكَ المُرُّ وَالعَكِرُ
لَا تَكْسِرِ الكَأْسَ وَامْلَأْهَا بِأُمنِيَةٍ
فِي جَرَّةِ الصَّحْوَةِ البَيضَاءِ تَخْتَمِرُ
وَادْعُ الأَحِبَّةَ كَي يَتَجَرَّعُوا أَمَلًا
يَجلُو الوُجُوهَ، فَتَصفُو ثُمَّ تَصطَبِرُ
أَمشِي إِلى الغَدِ كُلُّ الوَردِ أَجْمَعُهُ
فَفِي نِهَايَتِهِ مُستَقْبَلٌ عَطِرُ