الأديب/ سعيدي مصطفى

النسخة الخامسة القصة القصيرة

الأديب/ سعيدي مصطفى

المركز الأول في فرع القصة القصيرة من دولة المغرب

بائع العقاقير

كان الوقت ما يزال باكرا، الشمس في صحن السماء الأزرق كليمونة لم تكتمل صفرتها بعد، عندما دخل من بوابة السوق الأسبوعي الذي اعتاد القدوم إليه بين المدة والأخرى، سار بسيارته إلى أن ألفى مكانا لم يحجزه أحد من الباعة قبله بوضع حجر أو علامة أو شيء يشير إلى أنه قد سبقه إليه، أوقف سيارته المهترئة ثم قبل أن يخرج سلعته ويبدأ في تنظيمها أخذ وهو ما يزال داخلها يتناول فطوره، قَطَعَ خبزة صغيرة إلى نصفين، وضع في أحدهما بيضتين مسلوقتين مقشرتين، ثم قطعهما داخله قطعا صغيرة رش عليها قليلا من الملح والكمون، أخذ يعض كل ذلك ويأكل على مهله وهو يرتشف الشاي من قنينة صغيرة تحفظ السوائل ساخنة وتبقيها كذلك لمدة طويلة، أكمل فطوره، ثم أخذ النصف المتبقي من الخبزة ولفه بمنديل صغير واضعه في سلة حمراء صغيرة كانت فيها من قبل مع البيضتين وقنينة الشاي الصغيرة تلك.

 خرج من سيارته بعد أن مسح يده بالأخرى وهو يمرر لسانه فوق أسنانه وبين شفتيه ليزيل ما علق بينهما من بقايا الخبز والبيض، بدأ بإخراج حصير بلاستيكي أزرق، بسطه على الأرض بالمحاذاة من سيارته، ثم وضع فوقه طاولتين خشبيتين، الواحدة بجانب الأخرى، شرع يضع فوقهما في تنظيم دقيق علبا وقناني مختلفة الأحجام والأشكال والألوان، ثم بعد أن فرغ من كل ذلك جلس على كرسي حديدي ينتظر القادمين من المتبضعين. بعد توالي اللحظات بدأ الناس يتوافدون على السوق لشراء حاجاتهم وقضاء أغراضهم، اقترب منه رجل، فآخر، فثالث إلى أن أصبحوا جماعة من الناس تلتف حوله، كل واحد منهم قد جاء به إليه مرض يئس من علاجه أو لم يجد له القدرة على دفع تكاليفه، بدا الناس من حوله كقطيع واحد تجمعهم السذاجة والفقر ويخيم عليهم شبح الجهل، بدأوا ينصتون لما يقوله ولا صوت يعلو على صوته : ‹ هذا دواء للسكري، وهذا للضغط الدموي، وهذا مرهم فعال ليس له مثيل لداء المفاصل، وهذا عقار مجرب لمغص المعدة، وهذا دواء آخر له مفعول عجيب للخصوبة والإنجاب…وهذا … وهذا …› يكاد يذكر جميع الأمراض إلا ما استعصى على علماء الدواء إيجاد دواء له، فلم يتجرأ على ذكره لأنه يعلم في قرارة نفسه أن لا أحد سيصدقه إلا من كان لا يعرف تلك الأمراض نفسها، بعد أن قام بتلك الوصلة الإعلانية للأدوية التي جاءهم بها ولا يعرف أي أحد منهم من أين يأتي بها، شرع في حديثه يركز على بعض الأمراض الشائعة بين الناس شارحا كيفية العلاج منها بأدويته المجربة والفعالة، التي يكاد يحلف بكل الأقسام التي يعرفها أن لها مفعولا أكيدا وقويا، كان لوقع كلامه عليهم تأثير كالسحر يبدأ بالعقول ليفعل فعله بها، ثم يتسلل إلى الجيوب ليأخذ منها ما يريده مقابل علبة أو قارورة دواء لا يعلم طبيعة ما تحتويه إلا الله، بدأ الناس يتهافتون عليه كل حسب علته ودائه إلى أن استنفد ما لديه من أدوية، حينها فقط بدأ يجمع أغراضه ويضعها كما كانت في سيارته قبل أن يخرجها أول مرة وهو راض تمام الرضا عما حصل عليه من رزق يكفيه لمدة ليست باليسيرة، فجأة وهو منهمك في ذلك شعر بمغص في معدته سرعان ما بدأ ألمه يحتد شيئا فشيئا، أسرع في جمع ما تبقى من لوازمه، ثم ركب سيارته وتسلل بها خارجا من السوق وهو يتألم بداخلها، عندما خرج منه وأصبح وسط الطريق رفع من سرعتها وتوجه إلى أقرب صيدلية يعرفها، بعد وصوله إليها، ولجها متعجلا، طلب من الصيدلي أن يعطيه دواء يستعمله منذ أن  وصفه له أحد الأطباء كان يداوم على الذهاب إليه لمتابعة حالته الصحية، نقد الصيدلي ثمن الدواء ثم عاد إلى سيارته مسرعا، تناول منه قرصا ثم تابع طريقه وهو يفكر في سوق آخر يذهب إليه ليبيع فيه عقاقيره وخلطاته …